الأربعاء، 27 يونيو 2012

ها هي نسائم الحرية تداعب فقراء بلادي....

دموع مآقيها أحرقت قلبي، عيونها المنكسرة شطرت روحي، في تجاعيد يدها رأيت ماض من الألم والمعاناة، في حنايا وجهها عرفت الفقر في أوضح معالمه، نعم هي السيدة التي تقوم بتنظيف منزلنا جزاها الله كل خير، سيدة بحق لأنها تكسب قوتها من عرق جبينها، سيدة بحق لأنها لا تسأل ولا تطلب غير كدّ يمينها.

تلك السيدة الفقيرة الغارقة في المعاناة هبت عليها ذات مساء ثورةٍ نفحاتُ حرية حملها بكل إخلاص أهل ضيعتها. في ذلك المساء كانت تخلد إلى راحة في يوم عناء لتصحو على صوته يناجيها: أمي استيقظي يريدون أن يأخذوني. وتصحو الأم من غفوتها وفوهة الرشاش مسلط عليها، ودماء ولدها تحت قدميها، "إن تحركت قتلناك... سنأخذه معنا... ابنك شبيح...." لكن ابني عامل  بسيط في مغسلة سيارات، يرتادها أحيانا بعض رجال الجيش ليحتسوا الشاي، أهكذا هو التشبيح؟

وتطرق هذه الأم أبواب دعاة الحرية أن أعيدوا إلي ولدي، ليس له علاقة بأحد، هل نحن من نمنعكم عن حاكم البلاد، اذهبوا إلى قصره واقتلوه، افعلوا ما تريدون لكن لا تلوثونا بحريتكم، لا تظلمونا بعدلكم، أرجوكم أعيدوا إلي وحيدي. فيأتيها الجواب بغير لسان: " ادفعي لنا فدية نسلمك إياه وإن لم تفعلي ذبحناه، هل تعلمين ماذا فعلنا بذاك المجند الذي حمل أسئلة امتحان الرياضيات للمدارس ذلك اليوم؟ لقد حاكمه أميرنا وشيخنا الجليل أولاً بأن فقأ عينه التي نظرت إلى أوراق الامتحان وثانياً بالذبح لأنه خادم للنظام فهو شبيح خائن كافر (بالرغم من أنه مسلم وسني أيضاً) لكنه كافر بنظر الأمير وجرى ذبحه طبقاً لشريعتهم والتي الإسلام منها لا ريب بريء.

الإسلام يا حضرة الشيخ رحمة، تسامح، مغفرة، وإن كنتم تفتون بقتل الجيش وعناصر الأمن لأنهم "زلمة" النظام فهل لديكم أية حجة على الأناس العاديين الذين لجمت ألسنتهم جرائمكم الفظيعة ؟ هل يستحق عامل فقير في مغسلة سيارات أن يحطم جسده ويعذب ويمنع تسليمه إلا بفدية لبيت مال ثورة مزعومة؟ هل هذا هو جهادكم في سبيل الله؟ 

يجلس أمامي ابن جارتي وهو في كتيبة من خطف ابني ليقول لي"يا خالة أنا شهيد" أقول له أين ولدي، أعد رفيقك من بين أيديهم. يقول لي "إن هربته -وقد رغبت- لكانوا قتلوني وقتلوه. اصبري يا خالة وادفعي الفدية وأرجو أن ترسلي ابنك فورا إلى المستشفى لأنهم حطموا عظامه... أرجو أن تستلميه حياً في النهاية".

بكيت حرقة على ولدي، نظرت مليا إلى تشققات يدي، في كل ندبة لقمة لتشبعه، في كل جرح حبة دواء لتشفيه، هكذا قضيت عمري أخدم في بيوت الناس، أتلظى بحر الصيف وأقاسي برد الشتاء، هكذا ربيته وهكذا تربى أولاد الضيعة الذين هم اليوم سجانوه. اليوم وبعد عمر من فقر ومرارة أذوق ترف الحرية، أذرف دموع الديمقراطية في بلد غاص حتى الركب في دم أبنائه.... يسألوني أولئك الناس المؤمنين بثورية المجرمين: الذين يقترفون تلك الأعمال ليسوا سوريين هم بالتأكيد إيرانيون.. أليس كذلك؟؟؟ أسفاً أقولها لكم من يسفك دم السوري هو سوري مثله. 

عذراً سيدتي وقفت أمامك مذهولة مذبوحة، كيف لا وفي قصتك تحكين قصة ملايين من السوريين ذبحتهم ثورة ذات مساء حرية... عذراً أيتها الثورة ما زلت لا أؤمن بك.... عذراً أيتها الحرية ما زلت أجهلك.... عذراً وطني ما زلت عاجزة عن إنقاذك...  وعذراً لك أيها السوري.... فنحن رغماً عن إجرامك ما زلنا إخوة في التراب...
تحيا سوريا