الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

ورقة في رزنامة وطن يئن...

اسمحوا لي أن أكون شاهد عيان على ما يحدث اليوم في وطني. فقد أمضيت أشهراً وأنا أنصت لهم على كل القنوات، أقرأ لهم على الفيس بوك، أراهم في بيتي وبيوت الآخرين، كلهم كانوا شهود عيان لثورة مزعومة.
اليوم أنا شاهدة عيان لكل مدن سوريا ليس فقط للمدينة التي أعيش فيها أو تلك التي أنحدر من تاريخها، فقد قررت اليوم أن أبعثر نفسي فيها كلها، أن أهديها حواسي الخمس، أن أسكنها بروحي، فكما الأمة تجري في عروقي كذلك أصبحت مدنها.
تسألوني كيف لي أن أكون هكذا؟ كيف لي أن أدرك ما يحدث في زمن الحقيقة الغائبة، كيف لي أن أغض ضميري عن دماء الأبرياء الذين ذهبوا ضحية تغيير مستحيل، عن شباب يزجون في سجن الظلم باسم الحرية، عن أمهات ثكالى وآباء مفجوعين؟ عفواً أنا لا أنكر دماءهم ولا تضحياتهم لكن أنكر جرم الآخرين ووحشيتهم....
في مدينة ما هناك، القتل أصبح قضية، اللعنة باسم الطائفية، والضحايا جثث بلا هوية. مدينة تموت فيها الحرية لتصحو على ضريحها المنية. مدينة تلبس سواد حرب أهلية، تشيع شهداء مظاهرة سلمية، وإذ الشهداء عسكر في كفن القضية.
هذه صديقتي تهاتفني ذات مساء ثورة، صوتها مخنوق رعباً، ترتعش عبر الأسلاك وهي تزف لي نبأ مسلحين أوقفوا باصات مدرسة أبنائها في خضم مظاهرة ريفية حاشدة وأخذوا يرشقونها بالحجارة! تسألني: لم الأطفال؟ لم الترهيب والتخويف؟ إن كانت قضيتهم صادقة فليبذلوا دماءهم أولاً قبل أن يزجوا بدمائنا في بركان غضب لا نعرف له خموداً، فليكونوا أول المضحين كي نؤمن بقضيتهم ونتبعهم بأرواحنا قبل أقدامنا.
هاتف ثان من معلمة في مدرسة أبنائي أيضاً تزف لي نبأ عطلة في غير يوم عطلة إثر تهديد موجه إلى مدارس المدينة الخاصة بأن تشارك في إضراب الغد! إضراب؟!؟ طيب إن كانت دعوة لإضراب أو اعتصام مدني كما يسمونه، لم لا يدعون المؤمن بقضيتهم ينفذه ويمنحونا حرية عدم الاعتصام؟! أليس هم من يطالبون بالحرية من نظام جائر؟ هل يشفع لهم إضراب لا يلقى أذناَ مصغية ولا ضميراً مطيعاً أن يعيثوا في أمن الوطن قتلاً، أن يغرسوا في قلوب الأطفال ذعراً، أن ينكلوا بمشاعر الأمهات ويشهروا حريتهم خنجراً يطعن حرية الآخرين!!!
أصدقكم القول لن أنصت لمثلكم، لن أعتصم بغبائكم، لن أؤيد وحشيتكم... فقضيتكم الدموية لا تخصني، إيمانكم الإجرامي لا يعنيني، حريتكم الوحشية لا تلزمني.... اخرجوا الآن من دائرة اهتماماتي فلا أظنني بعد اليوم أؤمن إلا بمعتقداتي...
افخري حجارة فلسطين قد كنت وما زلت سلاحاً يقتل الصهاينة، يقتل عدوا آثماً. عفواً حجارة بلدي قد حولوك رصاصاً يقتل أطفال المدارس، قنابلَ تفتك باليتيم، بواريد تصيب العلم في الصميم. البارحة طالب جامعي يقتل رفاق مقعد الدراسة، اليوم حثالة تهدد أطفال المدارس، وغدا عذرا لا أعلم إلى أي واد ستنحدر بنا ثورة التخريب هذه...
باسم الحب أعلن رفضي للثورة، باسم الحق... باسم الإيمان... باسم الأمومة.... أعلن بقائي في الوطن. وباسم الله أبدأ عمراً ما عشته قبلاً، لكن سأحياه صبراً.
قد كنت وسأبقى ابنة سوريا الحبيبة...